راجي عفو الخلَّاق
بقلم :سمير لوبه
الأسطى نعيم الحلاق ، بأقدامٍ متثاقلةٍ تزحفُ لثقلِ ما يحمله جسدٌ أرهقه شقاءُ السنين ، يقطعُ المسافاتِ المعتادةَ لدكانِه ؛ يفتحُ بابَ الصالونِ الخشبي ، وفي المرآةِ يصافحُ وجهًا عاشَ فصولَه الأربعةَ ، بحنوٍ يمسحُ مرآتَه يؤلمُه ذلك الشرخُ الذي ازدادَ فيها ، تَغفُو في أحضانِها أدواتُ الحلاقةِ صامتةً ، يقابلُ المرآةَ الكرسي العتيقُ ، وعلَى الكرسي الخشبي يضعُ رأسَه في راحتِه يسترقُ النظرَ لذكرياتٍ تبتلعُه في هوتِها ، ينظرُ لصورتِه في الحُلَةِ التي حاكَها يومَ شاهدَها علَى " أنور وجدي " في فيلمٍ سينمائي ، يُصَفَّدُ في حسراتِه علَى زمنٍ جميلٍ كان صالونُه يضجُ بالأنوارِ، يقضي يومَه أمامَ الدكانِ ينظرُ في العيونِ يرجوها بابتسامتِه العريضةِ فلا يفوزُ بتبسُّمٍ أو سلامٍ ؛ فقد طوى الماضي صفحاتِ زمانِه ، خفتت الأنوارُ في الصالونِ ساده الصمتُ إلَّا من راديو خشبي عتيقٍ يبثُّ حنينًا لا ينضبُ .. يأملُ أن يخطو عتبةَ دكانِه زبونٌ يعيدُ لمرآتِه الحياةَ ، كُلما مرَّ عليه المارون ابتسمَ لهم ابتسامةً مغلفةً بالرجاءِ فلا يعيرُونه التفاتًا ، يدخلُ دكانَه العتيقَ يعدو في مروجِ الذكرياتِ ، تلتصقُ عيناه بمرآتِه يعتصرُه اتساعُ الشرخِ ألمًا ، يخيمُ الليلُ الكئيبُ ، وإذْ فجأةً تنهارُ مرآتُه علَى الأرضِ كِسَفًا ، فذهب كلُ ما تبقَى منه معَها ، يغلقُ البابَ ، وللأرضِ يرمي المفتاحَ ..
عبرَ الطرقاتِ وقدْ انهارت روحُه مع مرآته كِسَفًا ؛ تبللُ الدموعُ شفتيه المبتسمتين للناسِ .. ترميه العيونُ ملفوظًا في غياهبِ التجاهلِ .
تعليقات
إرسال تعليق